“نتنیاهو یُدیر معرکته على عظام جندیٍّ لا یستطیع المُقاومة”.. مُحلّلون: “لا هدایا مجانیّة من روسیا” و”العملیة تمّت بصفقةٍ بین الطرفین لاستثمارها بالانتخابات”
معرف الأخبار :
۷۴۶۴۸۷
واصَل رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، توظيف إعادة جثّة الجنديّ زخاريا باومل، عن طريق الروس، واصل توظيف القضيّة في المعركة الانتخابيّة، وغنيٌ عن القول إنّ إسرائيل الرسميّة والشعبيّة تُجمِع من أقصى اليمين إلى أقصى ما يُسّمى بالـ”يسار الصهيونيّ” بأنّ إعادة رُفات الجنديّ هو عملٌ وطنيٌّ من الدرجة الأولى، وأنّ نتنياهو استطاع بعد 37 عامًا أنْ يُعيد الجثّة، فيما فشل الآخرون في ذلك.
ولكن، على الرغم من الكرنفال المُصطنع، الذي يُديره رئيس الوزراء الإسرائيليّ، لرفع مكانته في نظر الإسرائيليين عشيّة الانتخابات العامّة التي ستجري يوم الثلاثاء القادِم، يُحذّر مُحلّلون من أنّه لا توجد في العلاقات الدوليّة صداقات، كما أنّه يُشدّدون على عدم وجود هدايا بالمجان، إذْ أنّ تل أبيب، ستدفع رغمًا عنها ثمنًا لهذه البادِرة الطيّبة، على حدّ تعبيرهم، التي قام فيها الروس، ويبقى السؤال متى وكيف وكَمْ ستُكلّف؟.
ولا يستبعِد المُحلّلون في الإعلام العبريّ أنْ تكون الخطوة الروسية الأخيرة مفاجئة بمعايير محدّدّةٍ، لكنّها تتناسب مع أداء موسكو على الساحة السوريّة، حيث تُحاوِل الجمع بين تقاطعاتها مع محور المقاومة والممانعة في مواجهة الإرهاب والضغوط الأمريكيّة، وبين علاقاتها بتل أبيب، وفي ما يتعلّق بالنقطة الأخيرة بشكلٍ خاصٍّ، يتوقع كلّ من طرفي العلاقة من الآخر أنْ يُراعي مصالحه رغم الاختلافات، إذ ترى تل أبيب في موسكو بوابةً إلزاميّةً لأيّ ترتيبٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ على الساحة السورية، وكذلك ضمانةً لعدم الانزلاق نحو مواجهةٍ عسكريّةٍ واسعةٍ مع محور المقاومة.
من الناحية الأخرى، تُحاوِل موسكو رسم معادلات ومسارات للطرف الإسرائيليّ، بقدرٍ ما، بما ينسجم ومصالحها على الساحة السورية، وفي هذا الإطار، لفت معلق الشؤون الأمنيّة في صحيفة (معاريف) العبريّة، يوسي ميلمان، نقلاً عن مصادره واسعة الاطلاع في تل أبيب، لفت إلى أنّه بالنسبة إلى الرئيس الروسيّ، لا يوجد شيء مجانيّ، وعاجلاً أوْ آجلاً سيجبي بوتين الثمن مُقابِل المساعدة التي قدّمتها أجهزة الاستخبارات الروسيّة، هذا إذا لم تكن إسرائيل قد دفعت إلى الآن، على حدّ قوله.
وأشارت وسائل الإعلام العبريّة إلى أنّ مشهد تسليم الجُثّة الاحتفاليّ في موسكو ظهر واضحًا أنّه يصُبّ مباشرةً في مصلحة نتنياهو، الذي تعمّد بوتين تقديم خدمةً شخصيّةً له، بما يساعده انتخابيًا في مواجهة خصومه، وأردفت التقارير الإعلاميّة العبريّة قائلةً إنّ ذلك تجلّى في الحرص على أنْ تتّم عمليات تسليم الرفات قبل أيامٍ معدودةٍ من إجراء الانتخابات العامّة، وأنْ يترافق الإعلان عنها مع زيارة لرئيس وزراء الكيان إلى موسكو، بدا الأخير في عقبها، مع ما رافقها من ترحيبٍ وتكريمٍ مُبالغ فيهما، كما لو أنّه عائد من عمليّةٍ عسكريّةٍ أدّت إلى تحرير أحد الجنود الإسرائيليين.
وشدّدّ المُحلّلون في تل أبيب، والذين يتهمهم نتنياهو بـ”معاداته”، شدّدّوا على أنّ هذه الصورة ستظلّ حاضرةً حتى يوم الانتخابات، وخصوصًا أنّ نتنياهو سرعان ما أتبعها باستعجال عودته من موسكو إلى كيان الاحتلال للمشاركة في مراسم دفن الجنديّ التي تمّت أمس، حيث توجّه إلى الرأي العام بكلمات عاطفية من قبيل: “أحسست بقشعريرة عندما علمت بأنّ زخاريا بات معنا مجددًا، وبأنّه جرى التعرّف إلى رفاته، وبأننّا سنتمكّن من دفنه، على حدّ تعبيره، فيما أشار آخرون إلى أنّ الانتماء الدينيّ للجنديّ، سيكون له أيضًا الوقع في صناديق الاقتراع من قبل اليمين المُتطرّف، الذي تنتمي إليه عائلته وهي من مدينة القدس المُحتلّة.
وبما أنّه في كيان الاحتلال يدفعون الغالي والنفيس من أجل استعادة جنودهم من الأسر، فإنّ مراسم وكلمات سيكون لها حتمًا وقعها على الوجدان الشعبيّ، وبالتالي تأثيرها على اختيارات الجمهور، حتى لو أدّت “المساعدة الروسيّة” إلى استثارة اتهامات لموسكو بمحاولة التأثير في الانتخابات، إلّا أنّ المشكلة التي ستواجه منافسي نتنياهو هي أنّ قضية باومل تمسّ وجدان الجمهور الإسرائيليّ، وهو ما قد يساهم في الحدّ من الانتقادات، كما شدّدّ المُحلّلون في تل أبيب.
وذهب المُحلّل الإسرائيليّ روغل ألفر، من صحيفة (هآرتس) العبريّة إلى أبعد من ذلك، حيثُ قال بالحرف الواحِد إنّ اليوم تبينّ بدون أدنى شكٍّ أنّ نتنياهو يُدير المعركة الانتخابيّة لصالحه على حساب رفات الجنديّ الإسرائيليّ، لافتًا إلى أنّ ذلك يحدث في إسرائيل فقط، التي تسجد للموت، وفقًا لتعبيره.
وتابع ألفر قائلاً: لا تثقوا بالناطق العسكريّ الإسرائيليّ، ولا تثقوا بالمُحلّلين العسكريين، والذين يُشدّدون على أنّه تمّت إعادة الجُثّة بدون صفقةٍ، مؤكّدًا في الوقت عينه، أنّه كانت صفقة بين روسيا وإسرائيل، وأنّ توقيت إعادة الرفات له علاقةً مُباشرةً بالانتخابات العامّة في الدولة العبريّة، على حدّ قوله.
وشدّدّ الكاتِب ألفر على أنّ نتنياهو بنى حياته السياسيّة منذ البداية مُستغلاً مقتل شقيقه بعملية “عنتيبي” في العام 1976 وأنّه ما زال يُوظِّف الثكل من أجل مصالحه السياسيّة الضيّقة، وهو ما يفعله في هذه الأيّام بعد استعادة جُثّة باومل من دمشق، مُختتٍمًا بالقول: هذا هو نتنياهو، الذي يُجيّش القضيّة من أجل مصالحه الشخصيّة في طريقه إلى تشكيل حكومته الخامسة، كما أكّد.