تصعید أمیرکی ضد فنزویلا
الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون يموّل حفلاً موسيقياً ضخماً على الحدود الكولومبية مع فنزويلا، بالقرب من ممر جسر "تيانديتاس"، بناء على طلب من الرئيس الكولومبي إيفان دوكي وخوان غوايدو، والهدف هو الضغط على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو للسماح بإدخال "المساعدات الإنسانية".
سيُقام الحفل في تاريخ 22 من الشهر الحالي، مساء، أي عشيّة التحدّي الذي أعلنه غوايدو وفريق الرئيس الأميركي وهو "إدخال المساعدات بالحُسنى أم بالقوّة"، وبحسب المعلومات فقد تأكّد حضور مجموعة من أصحاب الثروات الطائِلة وأصحاب شركات الإعلانات العالمية، الذين سيعملون على تأمين وسائل النقل لانتقال الجمهور إلى الحفل المُقرّر في الساعة الثالثة بعد الظهر على أن يبدأ في الساعة الخامسة ويستمر حتى وقت مُتأخّر في ساعات الفجر.
بحسب المراقبين الفنزويليين لا يمكننا استبعاد احتمال تسلّل عناصر مشبوهة وربما شبه عسكرية أو جنود من الأمن الكولومبي بلباس مدني في صفوف الجمهور، وذلك لاستخدام الجمهور كدرع بشرية محتملة لإجبار فنزويلا على إدخال "المساعدات الإنسانية"، ومن الواضح أن القوات المسلحة البوليفارية لن تسمح بإدخالها بالقوّة ولا لدخول أيّ شخص بالقوّة إلى أراضيها.
منع الدخول القسري لن يكون برمي أوراق الورد على الذين يقتحمون الحدود. وهكذا يصبح المشهد: حفل بعنوان "السلام والحب" و "المحبة" و"التضامن"، يُبثّ مباشرة على الملايين عبر التلفزيونات والشبكات الرقمية، وفجأة يتحوّل إلى مواجهة ودماء وقمع وإطلاق نار من قِبَل ما يسمّونه بطبيعة الحال "دكتاتورية مادورو الوحشية" الذي يمنع وصول المساعدات لشعبه، وهذا يكفي لتكون الإشارة بالبدء بعمل عسكري ضدّه.
لا يمكن أن يكون هناك عُذر أفضل لبدء التدخّل العسكري، وكلنا نذكر ما حصل في انقلاب 11 أبريل 2002 على القائد تشافيز، الذي سيكون أمراً عارضاً وبسيطاً جداً بالمقارنة مع المنحى الذي ستأخذه الأحداث هذه المرة في حال اللعب بالنار على الحدود.
في المقابل، حول تصريحات نائب الرئيس الفنزويلي للإعلام والسياحة والثقافة هورهي رودريغيز، بخصوص الحفل الموسيقي الضخم "ارفعوا أيديكم عن فنزويلا" عند جسر سيمون بوليفار الدولي على الحدود مع كولومبيا.
الذي سيعقد في 22 و 23 شباط المقبل ، ويوم العناية الطبية المجانية لسكان مدينة كوكوتا الكولومبية الحدودية ، أوضحت أن نائب الرئيس رودريغيز قال بأن الحفل سيُعقد خلال يومين لأن " الكثير من الفنانين يحبّون فنزويلا ويريدون المشاركة" ، و أكّد أن فنزويلا لطالما رحّبت تاريخياً بالآلاف من الفنانين الأشقاء من أميركا اللاتينية، وأوضح أن مدينة كوكوتا الحدودية مع فنزويلا، يعيش فيها 40% من سكانها فقراء، و 10% يعيشون في فقر مدقع"، أن "البطالة تصل الى 20% في صفوف هذا الشعب الشقيق". بحسب قوله. وأضاف إن "30% من المستشفيات أغلقت أبوابها لأسباب تقنية (...) لذا يأتي المرضى من كوكوتا الكولومبية إلى فنزويلا للحصول على العناية الصحية اللازمة لهم"... وأعلن أنه خلال يومي 22 و 23 فبراير، سترسل الحكومة إلى أهل مدينة كوكوتا صناديق مواد التموين الغذائي التي توزّعها على فقراء فنزويلا، وستنظّم يوماً للرعاية الطبية المجانية عربون أخوّة الشعب الفنزويلي مع شعب مدينة كوكوتا.
ولكن الولايات المتحدة لا تعير أيّ اهتمام لرسائل السلام ونَبْذ الحرب وتواصل سعيها لتركيع فنزويلا بالحُسنى أم بالقوّة وفقاً للموقف الأميركي.
فقد نشرت واشنطن إيكزامينير “Washington Examiner” مقالاً للخبير العسكري توم روغان، أكّد فيه أن الولايات المتحدة نشرت حاملتي طائرات في الموانئ الاستراتيجية بحيث تتمكّن من بلوغ مياه البحر الكاريبي في خلال أسبوع، "سفن البحرية الأميركية تعمل حالياً من مينائها الأساسي في سان دييغو ، شرق المحيط الهادئ، على بُعد 5 أو 7 أيام في المياه الكولومبية التي تقع على بُعد 400 ميل من الحدود الفنزويلية ، وتقع في نطاق تستطيع المدفعية الجوية من بلوغها". ومن بين السفن الحامِلة للطائرات والمُعدّة لهذه المهمة سفينة (يو أس أس تيودور روزفلت)، والسفينة البرمائية لزوم عمليات الإنزال (يو أس أس بوكسر)، وتحمل على متنها الوحدة الحادية عشرة لمشاة المارينز ، و(كتيبة المشاة) هذه هي من أهم سبع وحدات في الجيش الأميركي، وتتكوّن من مشاة البحرية الذين يبلغ عددهم ما يقارب ال 2000 عنصر، مزوّدين بالعديد من الآليات والمعدّات، مثل فصيلة من سلاح المدرّعات وطائرات الهليكوبتر الهجومية ومروحيات لنقل الجنود، ودعم من الطائرات المُقاتلة هاريير و / أو F-35 .
روغان يؤكّد في مقالته إن "الهدف الصريح لوحدة كتيبة مشاة المارينز المذكورة أعلاه هو توفير قدرة انتشار عسكرية سريعة ... على غرار الوحدة العسكرية التي تقوم بالمهام الدفاعية عن المصالح الكولومبية والأميركية على طول الحدود مع فنزويلا" ، ويضيف الخبير:" كي تكتمل الصورة، فإن حاملة الطائرات (يو أس أس أبراهام لينكولن) تتواجد حالياً على سبيل "الصدفة " على شواطيء فلوريدا وتقوم بتدريبات عسكرية روتينية، ويمكن استدعاؤها إذا لزم الأمر لتنتقل إلى ميناء كارتاهينا في غضون أيام ".
تجدر الإشارة إلى أنه قبل بضعة أسابيع، أجرى الأميرال كريغ فولير، رئيس القيادة الجنوبية في الجيش الأميركي، زيارة إلى كولومبيا والبرازيل وكوراساو على الحدود مع فنزويلا، حيث تتواصل عملية تثبيت نقاط استقبال "المساعدات الإنسانية".
الفرق بين حكومة سلفادور أليندي وشعب فنزويلا هو أن أليندي رفض تسليح شعبه. أما في فنزويلا، فيوجد جيش وتوجد الوحدات الشعبية (الميليشيا الوطنية) ولن يتردّدوا لثانية في الدفاع عن الوطن في وجه أيّ معتدٍ.
أضف إلى ذلك البيان الرسمي من الحكومة الكوبية الذي كشف أنه "ما بين 6 و 10 شباط فبراير 2019، كانت حصلت رحلات لطائرات نقل عسكرية أميركية نحو مطار رافائيل ميراندا في بورتوريكو، والقاعدة الجوية سان إيسيدرو في جمهورية الدومينيكان وفي جزر الكاريبي القريبة من فنزويلا، والتي تتميز بموقعها الاستراتيجي. و" تنضم هذه القوات الأميركية إلى القوات البحرية الملكية البريطانية، التي تتمركز في جزيرة كوراساو، على بُعد 80 كيلومتراً فقط قبالة ساحل فنزويلا.
هل يكون الحفل الموسيقي هو الإطارالمناسب للمسرحية المختلقة التي حذّر منها فريدي برنال، الحامي الرسمي لولاية تاشيرا الحدودية؟ هل هذه التعبئة الضخمة بكل مواردها المالية، والقوات العسكرية، والأسلحة والمهرّجين وكل هذا السيرك ، هل هو فقط لإحداث ضجيج وبلبلة؟ يصعب كثيراً تصديق هذا الإحتمال الأخير.
"الكمّاشة الأميركية تقفل فكّيها شيئاً فشيئاً حول فنزويلا، وقد أصبحت اليوم في عين المحور الرئيسي للصراع الجيوسياسي العالمي والتدخّل العسكري تكتمل شروطه لدى الظالمين المُعتدين، بينما لا خيار لدى الشعب الفنزويلي في هذه الحال إلا الحرب الشعبية الطويلة المدى/ أي المقاومة.. نرجو أن تُخطيء هذه التقديرات... والله يحمي هالبلد!