سفیر المغرب لدى السعودیة یؤکد استدعاءه إلى الرباط
ذهب التوتر في العلاقات المغربية السعودية إلى درجة غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، في ظل صمت رسمي، مما يؤشر إلى احتمالات التصعيد خلال الأيام القادمة.
وقرر المغرب “استدعاء” سفيره بالرياض لـ”لتشاور” بعد أن تبادل البلدان حملات إعلامية مست قضايا حساسة والاكتفاء باتصالات دبلوماسية تقليدية تطلب التوضيح والابتعاد عن الاتصالات على مستويات رفيعة، مع أنها كانت ممكنة خلال الأيام الماضية.
وأكد مصطفى المنصوري سفير المغرب لدى السعودية استدعاءه من طرف الرباط وذلك قصد التشاور بشأن العلاقات بين البلدين، واصفاً الأمر بـ”سحابة عابرة”، وأوضح في تصريح صحفي أن سبب استدعائه يتعلق بالمستجدات التي طرأت أخيراً على مستوى العلاقات بين البلدين، خاصة بعد بث تقرير لقناة سعودية “ضد الوحدة الترابية”،.
وأكد المنصوري، الجمعة، أنه جرى استدعاؤه إلى الرباط منذ ثلاثة أيام قصد التشاور حول هذه المستجدات، معتبراً أن “الأمر عاد في العلاقات الدبلوماسية حينما تعبرها بعض السحب الباردة”، وأن “الأمور سرعان ما ستعود إلى حالتها الطبيعية”، مذكراً بمتانة العلاقة التاريخية الأخوية التي تربط المملكتين المغربية والسعودية.
وإذا كانت تصريحات السفير المغربي اعتبرت ما يجري سحابة صيف وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها، فإن عدم قدرة الاتصالات الدبلوماسية على تقديم توضيحات تؤدي إلى تفهمات وعدم الإسراع برد الفعل يشير إلى أن الفتور والبرودة في العلاقات بين الرياض والرباط وصلت إلى الجليد، وهي المرة الأولى التي تصل فيها إلى هذه الدرجة، رغم ما عرفته العلاقات من فتور بسبب أحداث وتطورات أبرزها العدوان الأمريكي على العراق في 1991 و2003 التي أدت إلى احتلال العراق.
*الرباط: تحملنا كثيراً من سلوكيات السعودية
وقالت مصادر دبلوماسية عربية في الرباط لـ”القدس العربي” إن الرباط تحملت كثيراً من السلوكيات السعودية منذ 2015، إما أنها كانت تسيء للمغرب وقضاياه أو سلوكيات داخلية وإقليمية تثير الإزعاج لدى الرباط.
وأضافت المصادر أن استدعاء السفير المغربي بالرياض للتشاور خطوة احتجاجية مغربية، لأن “المماحكات” السعودية السابقة بالمغرب لم تصل إلى القضية المغربية الأولى التي تشكل البوصلة للعلاقات الدولية للرباط ،وهي قضية الصحراء، التي وقفت الرياض داعمة للمقاربة والموقف المغربي بالتأكيد على مغربية الصحراء الغربية التي استردها من إسبانيا في 1976 ، ولعبت دوراً مهماً في كل المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية في استصدار قرارات مؤيدة للمغرب، كما احتضنت لقاءات بين أطراف النزاع الصحراوي، ولعبت دور الوسيط ونجحت في عقد قمم جزائرية مغربية في 1983 و1987، وحتى في مراحل الفتور والعتب كانت الرياض تبتعد عن الإساءة للمغرب والمس بوحدته الترابية.
وبثت قناة العربية السعودية تقريراً إخبارياً، الأسبوع الماضي، حول نزاع الصحراء بدون مناسبة، نشرت فيه خريطة المغرب مبتورة من صحرائها، في تطور لافت لم يعتده المغاربة، حيث تناول التقرير الجولة الجديدة من المحادثات التي ستجرى بين المغرب وأطراف النزاع في الصحراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وهذه المحادثات ستجري في النصف الثاني من آذار/ مارس المقبل.
*تقرير “العربية” حمل رسالة معادية للمغرب
وحمل التقرير رسالة معادية للمغرب من خلال توصيف جغرافي للمنطقة المتنازع عليها واستعراض تاريخها، وقال إن “الصحراء الغربية تقع على الطرف الغربي للصحراء الكبرى وتمتد مسافة 1000 كلم على طول ساحل المحيط الأطلسي، ويحدها من الشمال المغرب ومن الشرق الجزائر ومن الجنوب موريتانيا”، وقال التقرير إن “الصحراء الغربية كانت مستعمرةً غربية انسحبت منها إسبانيا في عام 1975 ومنحت الرقابة للمغرب وموريتانيا، وكان المغرب ينادي بأن الإقليم تابع رسمياً له″.
وقالت وسائل الإعلام المغربية إن تقرير قناة العربية “المملوكة للعائلة الملكية السعودية” ذكرت أن “موريتانيا انسحبت من المنطقة في 1979 وتأسست حركة قومية صحراوية بدعم من الجزائر وليبيا وقتها عرفت بجبهة البوليساريو وأعلنت لاحقاً إقامة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وتطالب باستفتاء لتقرير المصير، وهو ما ترفضه الرباط” رغم اعتراف الكثير من الدول بـ”الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية” المعلنة من طرف واحد، وقال التقرير إن “الأمم المتحدة” تعترف بجبهة البوليساريو كـ”ممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي”.
مضمون ولغة التقرير حملت روحاً عدائية للمغرب، لذلك كان محل استغراب الأوساط المغربية التي أجرت اتصالات دبلوماسية مع الرياض للتوضيح دون أن تحصل على إجابات، لكن الرياض لم تخف انزعاجها من إطلالة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على شاشة قناة الجزيرة في برنامج “بلا حدود” تحدث خلاله عن مواقف بلاده من قضايا السعودية طرفاً فيها، وقال بمواقف لا تلتقي مع مواقف الرياض، أهمها الحرب السعودية الإماراتية على اليمن وتطورات الوضع السوري والحصار السعودي الإماراتي لقطر واعتقالات بن سلمان لعدد من الأمراء السعوديين ورجال الأعمال، والتي انتقدت بكافة وسائل الإعلام المغربية.
وأكدت المصادر الدبلوماسية العربية لـ”القدس العربي” أن ما أعلنه بوريطة مواقف تبنتها الرباط منذ عدة سنوات، سواء كان فيما يتعلق بالعدوان على اليمن أو حصار قطر، وتقترح هذه المصادر أن الرياض اعتبرت أن إعلان هذه المواقف على شاشة الجزيرة انتقال من الرباط من وضعية الحياد تجاه الحصار على قطر الى الانحياز إلى الدوحة، وهو بالنسبة للرياض “خطوة عدائية” فكان دفع وسائل إعلامها لشن حملة معادية للمغرب.
وحفلت الصحف ووسائل الإعلام المغربية بما فيها القريبة من الوسط الرسمي، بتقارير عن المحطات التي مرت بها العلاقات بين الرياض والرباط منذ 2015 إلى أن وصلت إلى الأزمة بعد أن كانت قبل ذلك التاريخ أمتن العلاقات بين الدول العربية وأكثرها حميمية بالنظر إلى القرابة العائلية بين عدد من أفراد عائلة العلويين وعائلة آل سعود.
المحطة الأولى كانت إسقاط طائرة حربية مغربية “اف 16” ومقتل قائدها، فوق الأراض اليمنية يوم 11 أيار/ مايو 2015، وكانت الطائرة ضمن سرب مغربي مرابض في الإمارات للمشاركة في الحرب على داعش في سوريا، إلا أن إعلان السعودية لحلف عربي، من بينه المغرب، للحرب على اليمن، حول مهم السرب المغربي للمشاركة في هذه الحرب، رغم ما أثارته هذه المشاركة من احتجاجات داخلية مغربية.
وحمل المغرب مسؤولية إسقاط الطائرة لقيادة التحالف العربي في اليمن والتي تشرف عليها السعودية لأنها هي من كانت وراء أوامر تحليق الطيار المغربي على مستوى منخفض في منطقة جغرافية يحفظ تضاريسها الحوثيون ويحسنون التمويه أثناء تواجدهم فيها، واعتبرت الرباط ادعاءات الرياض حول الحادث محاولة للتنصل من مسؤوليتها، حيث قالت القيادة السعودية إن الطائرة سقطت بسبب عطل فني، ليتضح فيما بعد أنها نأت بطياريها عن الخطر، وأرسلت مغربيين بطائرتي “اف 16” للقيام بمهمة استطلاعية رغم أن هذا الصنف من الطائرات المقاتلة لا يعتبر الاستطلاع من مهماته الرئيسية.
*الرياض حاولت عرقلة استعادة جثمان الطيار المغربي
وقالت المصادر لـ”القدس العربي” إن الرباط بدأت تفكر في الخروج من حرب اليمن بعد أن حاولت الرياض عرقلة محاولة المغرب استعادة جثمان الطيار وحطام طائرته، وهو ما تم فيما بعد تجاهل المغرب للقيادة السعودية وإجراء اتصالات مباشرة مع الحوثيين.
التفكير بالخروج من الحرب على اليمن أصبح قراراً بعد تقييم لهذه الحرب وإطالتها وما يتعرض له اليمن والمدنيون اليمنيون، خاصة الأطفال، وفق ما تقول به تقارير المنظمات الدولية، من وحشية الغارات الجوية أو في المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف. وأكدت المصادر لـ”القدس العربي” أن المغرب، ودون أن يعلن عن ذلك رسمياً، لم يشارك في هذه الحرب منذ 2015 كما لم يشارك بأية مناورات عسكرية للتحالف وقاطع فيما بعد اجتماعاته الوزارية.
ورغم العلاقات الشخصية الحميمية بين كل من العاهل المغربي الملك محمد السادس وولي العد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإمارتي محمد بن زايد، فإن الحرب على اليمن ولدت حساسية مغربية من مواقف بن سلمان وبن زايد وتبعها الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات بمعية البحرين ومصر، في حزيران/ يونيو سنة 2017، على قطر براً وبحراً وجواً، ورفضت الرباط ليس فقط المشاركة بهذا الحصار بل أعلنت رسمياً الحياد ومحاولة لعب دور الداعم للوساطة الكويتية، وبادرت بإرسال طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر للمساعدة في تلبية حاجيات المستهلكين في شهر رمضان الذي شهد إقبالاً كثيفاً على مراكز التسوق التي تأثرت بالحصار.
الموقف المغربي المحايد وغير المنحاز لم تنظر إليه الرياض وأبو ظبي بارتياح؛ إذ كانت ترغب في إجماع عربي يزكي ويبارك موقفها مع الدول الثلاث تجاه قطر، وقالت مصادر دبلوماسية مغربية لـ”القدس العربي” إن أبو ظبي ردت على الموقف المغربي بوقف التعاون في كافة الميادين بما فيها الميدان الأمني.
فيما الرياض استغلت 2018 تقديم المغرب لملف تنظيم مونديال 2026، ووقفت ضده وليس فقط انحازت للملف الأمريكي، بل قام تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للرياضة حينها والمقرب من محمد بن سلمان، بحشد الدعم للملف الثلاثي الذي تقوده أمريكا وتشاركها فيه كندا والمكسيك، وعمل على تنظيم لقاءات بين رؤساء اتحادات عربية وآسيوية وممثلي الملف الثلاثي وإغرائهم بدعم مالي مقابل التصويت ضد ملف “موروكو 2026″، وهو ما وصفته الأوساط المغربية بالخيانة والطعنة الغادرة في ظهر المغرب.
*سعد الحريري حاول ترطيب الأجواء
وحاول الشيخ سعد الحريري ترطيب الأجواء بين الملك محمد السادس وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدعوة عشاء في العاصمة الفرنسية باريس، وحرص على نشر صورة مشتركة على صفحته على “تويتر”. لكن الهدوء لم يطل، إذ التزام المغرب الصمت ورفض التعليق على واقعة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في تركيا وفضل الحفاظ على موقعه في الوسط وعدم المغامرة بالعلاقات مع تركيا، فرفض أن ينحو منحى عدد من الدول العربية، وأبلغ الرياض بعدم استقباله لبن سلمان في الجولة التي قام بها في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبرمج خلالها زيارة كل من مصر وتونس والجزائر وموريتانيا ومن قبل البحرين والإمارات.
وقال موقع 360 المغربي إن تقرير “قناة العربية السعودية التمويل والإماراتية المقر” تطاول على السيادة المغربية ومحاولة ابتزاز المملكة بالموقف من صحرائه، وهو رسالة واضحة وغير مشفرة لفيلم عن البوليساريو والدولة الوهمية، يعزز ادعاء الغزو المغربي للصحراء، وإن استدعاء المغرب لسفيره المعتمد بالعربية السعودية من أجل التشاور هو نتيجة منطقية لسلسلة من الاستفزازات التي قامت بها الرياض، منذ أن تولى زمام الأمور ولي العهد محمد سلمان ونتيجة لفترة طويلة من سوء الفهم بين البلدين، تخللتها عدد من التصريحات والتصرفات الاستفزازية من قبل الرياض منذ تولى ولي العهد محمد بن سلمان زمام الأمور بالمملكة الوهابية”.
وبالرغم من ذلك، فليس هذا الروبورتاج هو الذي أفاض الكأس، بل إن العلاقة بين البلدين “الشقيقين” اللذين تربطهما علاقات روحية وتعاون قوي في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، شهدت تدهوراً مع توالي الأزمات.
*الرباط لا تريد التصعيد
وأضافت: “قد يقال بأن هذا الفتور في العلاقات بين البلدين هو عابر. وإذا كانت الرباط لن تعلن رسمياً عن هذا الاستدعاء، فإن ذلك يعكس إرادتها في عدم التصعيد. ومع ذلك، يتعين على العربية السعودية أن تعي مغزى هذه الرسالة الضمنية التي يتوخى من ورائها المغرب وضع حد لسلسلة من التجاوزات، فالشك يبقى سيد الموقف. فنظام ولي العهد محمد بن سلمان يتميز بخرجاته وردود فعله الغريبة. إن قضية خاشقجي الصحفي المعارض الذي قتل بتركيا والتي ثبتت فيها مسؤولية السلطة في الرياض، هي مثال حي على ذلك، وأن سياسة الفرجة التي اتبعها ولي العهد محمد بن سلمان لم تعد تجدي… أما المعارضة لطريقة تدبيره لشؤون البلاد فأصبحت أكثر تنظيماً داخل العربية السعودية”.
وتلقفت جبهة البوليساريو الموقف السعودي الجديد تجاه نزاع الصحراء، وقالت إن السعودية تتجه إلى “تصحيح موقفها من الصحراء الغربية وإنصاف الصحراويين، وأعرب عبد القادر الطالب عمر سفير الجبهة لدى الجزائر عن أمله في أن “تنصف المملكة (السعودية) في موقف رسمي قضية الصحراء الغربية في اتخاذها لموقف ينسجم مع القانون والشرعية الدوليين”، لأن “القضية تحظى بمراجعة وإعادة النظر في مواقف السعودية لإنصاف الصحراويين”.
وأضاف المسؤول في الجبهة أن “تغييرات كبيرة تشهدها المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة وفي العهد الجديد”، وهو ما يدعو إلى الأمل- حسب قوله- في أن “يدخل الموقف السعودي المعبر عنه من خلال وسائل الإعلام السعودية مؤخراً، في إطار الإصلاحات الكبرى التي يقوم بها الحكم في السعودية”.