لأوُل مرّة عربیًّا.. الرئیس التونسی یُکلّف نجلاء بودن رمضان تشکیل الحکومة
معرف الأخبار :
۱۱۳۷۷۰۹
كلّف الرئيس التونسي قيس سعيّد الأربعاء امرأة غير معروفة في المشهد السياسي هي نجلاء بودن، بتشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من شهرين من توليه السلطات وإقالة رئيس الوزراء وتعليق أعمال البرلمان.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد الرائد في مجال الحقوق والحريّات يتم تعيين امرأة هي نجلاء بودن (63 عاما) على رأس السلطة التنفيذية للقيام باصلاحات أهمها مقاومة الفساد.
وبودن من مواليد محافظة القيروان المهمّشة في وسط البلاد وأستاذة جامعية متخصصة في الجيولوجيا.
وقالت الرئاسة في بيان “كلّف رئيس الجمهورية قيس سعيّد اليوم الأربعاء السيدة نجلاء بودن حرم رمضان بتشكيل حكومة، على أن يتم ذلك في أقرب الآجال”.
في 25 تمّوز/يوليو الفائت أعلن سعيّد في خطوة مفاجئة تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد.
وأصدر منذ أسبوع تدابير “استثنائية” بأمر رئاسي أصبحت بمقتضاه الحكومة مسؤولة أمامه فيما يتولى بنفسه إصدار التشريعات عوضا عن البرلمان، ما اعتبره خبراء تمهيدا لتغيير النظام السياسي في البلاد بدلا من البرلماني الذي نص عليه دستور 2014.
– “تكريم” –
لم تظهر بودن في المشهد السياسي سابقا ولا يُعرف أن لها انتماءات حزبية أو اصطفافًا وراء توجهات سياسية معينة.
وجاء تعيينها عملا “بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 16 منه”.
وأكد سعيّد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة على موقعها على فيسبوك على البعد “التاريخي” لخياره وقال “لأول مرة في تاريخ تونس امرأة تتولى الرئاسة حتى نهاية التدابير الاستثنائية، وسنعمل معا على القضاء على الفساد والفوضى التي عمّت الدولة”.
وتابع “هذا شرف لتونس وتكريم للمرأة وهذه مسؤولية تاريخية والمرأة قادرة على القيادة…مثل الرجل”.
ستتولى بودن تشكيل حكومة في “الساعات والأيام القليلة القادمة”، وفقا لسعيّد.
وكتبت الناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة في صفحتها على موقع فيسبوك “رمزيا امرأة رئيسة حكومة قرار مهمّ خاصة وأن سعيّد تميّز بالمواقف السلبية تجاه قضية المساواة (بين الجنسين)”.
وأبدت الطالبة في الوسائط المتعددة (ملتميديا) ياسمين بلحسن (21 عاما) ترحيبا بالقرار وقالت “علمت للتو وأنا سعيدة بتعيين رئيسة للحكومة لأول مرة… لكن هذا لا يعني أن نفرح كثيرا لأننا لا ندرك ماذا باستطاعتها أن تفعل”.
وقالت رئيسة “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” نائلة الزغلامي في تصريح لإذاعة “موزاييك اف ام” الخاصة، “طالبنا بهذا منذ اوّل جلسة مع الرئيس، ولكن لا يكفي ان تكون رئيسة الحكومة امرأة، هل سيتم تخفيف السلطات من رئيس الجمهورية وإسنادها لبودن؟ وهل سيكون لها مطلق الصلاحيات؟”.
– “مقاومة الفساد” –
أضاف سعيّد في مقطع الفيديو “سنعمل على مقاومة الفساد ثم الاستجابة لمطالب التونسيين والتونسيات في التعليم والصحة والنقل والحياة الكريمة”.
كانت بودن مديرة عامة مشرفة على برنامج في وزارة التعليم العالي وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علوم الجيولوجيا.
وستعمل بودن وفقا للتغييرات التي أقرّها سعيّد على السلطة التشريعية والتنفيذية وسيكون نشاطها مراقبا وتحت اشراف الرئيس.
وجاء في بعض فصول الأمر الرئاسي الذي أصدره سعيّد أنه “يتمّ إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية” وتتحول هذه الصلاحيات إلى سعيّد عوضًا عن البرلمان المجمدة أعماله.
كما ورد في فصل آخر “يمارس الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة” و”تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتّاب دولة يعيّنهم رئيس الجمهورية”.
والسلطة التنفيذية أساساً في يد الحكومة ومسؤولة أمام البرلمان بموجب دستور 2014، لكنّ سعيّد أعلن أنّها ستكون مسؤولة أمام رئيس الجمهورية مستقبلا.
ويقول المحللّ السياسي صلاح الدين الجورشي لفرانس برس إن تعيين بودن “اعتراف بدور النساء في تونس وقدرتهن على الادارة والنجاح”.
ويتابع الجورشي “ليس لها تجارب واسهامات في المواقع الحسّاسة… لا ندري هل ستكون قادرة على مواجهة هذه الملفات الضخمة والمعقدة”.
ومقاومة الفساد من أهم الملفات التي تنتظر بودن. فقد اتهم الرئيس سعيّد نوابا في البرلمان المجمّد بالمصادقة على قوانين “مقابل الأموال” كما تم اخضاع العديد من رجال الأعمال وسياسيين للاقامة الجبرية وحظر السفر وذلك في اطار حملة “تطهير” ضد الفساد.
مطلع العام 2021 رفض سعيّد تعديلًا وزاريا قام به رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي بسبب شبهات فساد تحوم حول شخصيات تم تكليفها بوزارات.
إلى ذلك تواجه البلاد وضعا اقتصاديا واجتماعيا مترديا زادت في تعميقه تداعيات وباء كوفيد-19 في ظل نسبة بطالة تناهز 18% ونسبة تضخم من 6,2%.
انصب اهتمام الثلاثينية والعاطلة عن العمل روعة غراب على الوضع الاقتصادي وفرض التشغيل وقالت عن بودن “لعلّها توجه سوق التشغيل في الاتجاه الصحيح لأنه لم يعد هناك فرص”.
قوبلت قرارات سعيّد قبل شهرين بردود فعل واسعة وتظاهر بضعة آلاف من التونسيين الأحد رافعين شعار “الشرعية الانتخابية” ومنددين ب”احتكار السلطات بيد رجل واحد”.
كما نبه حقوقيون وخبراء قانون وسياسيون من “انحراف سلطوي”.
في مقابل ذلك، وليلة الاعلان عن قراراته في 25 تمّوز/يوليو شهدت العاصمة وعدد من ولايات البلاد احتفالات مساندة له.
** من هي الرئيسة المكلفة؟
تبلغ “بُودَنْ” 63 عاما، وهي من مواليد ولاية القيروان عام 1958، وأستاذة تعليم عالي في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس العاصمة، ومختصة في علوم الجيولوجيا.
وكانت قبل اختيارها للمنصب الجديد، مكلفة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتنفيذ برامج البنك الدولي، وفق وكالة الأنباء التونسية الرسمية.
وفي عام 2011، تم تعيينها مديرة عامة مكلفة بالجودة بوزارة التعليم العالي، كما شغلت منصب رئيسة وحدة “تصرف حسب الأهداف” بالوزارة ذاتها عام 2015.
وبحسب مراسل الأناضول، فإن الرئيسة المكلفة لا يُعرف لها أي انتماء سياسي.
ووفق مراقبين، ستواجه بُودَنْ صعوبات حال نجحت في تشكيل حكومتها، خاصة أن تعيينها يأتي في ظل توتر سياسي حاد تشهده البلاد، ووضع حرص الرئيس على إبلاغها لدى استقبالها اليوم.
فهي تتولى المهمة مع “تدابير استثنائية” أعلنها الرئيس منذ 25 يوليو/تموز الماضي، وعدتها غالبية الأحزاب “انقلابا على الدستور” و”محاولة لإرساء نظام دكتاتوري”، بينما أيدتها أحزاب أخرى ورأت فيها “تصحيحا للمسار” وسط أزمات سياسية واقتصادية.
وشملت تلك التدابير إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى سعيّد السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، إضافة إلى ترؤس النيابة العامة وتجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب.
ولاحقا، قرر الرئيس التونسي إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
كما يأتي اختيار “بُودَنْ” للمنصب في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعيشها تونس، والتي فاقمتها تداعيات جائحة كورونا، وعدم الاستقرار السياسي الذي تمر به البلاد.
إلا أن “بودن” – بحسب المتابعين وتفاصيل الإجراءات المعلنة الأربعاء الماضي – ستكون بمثابة وزير أول لدى الرئيس سعيّد أكثر منها رئيسة حكومة.